SiLVeR
عدد الرسائل : 111 العمر : 44 العمل/الترفيه : صيانة و برمجة الكمبيوتر الاوسمة : تاريخ التسجيل : 09/05/2008
| موضوع: سيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم- الجزء الحادي عشر الإثنين سبتمبر 01, 2008 9:13 am | |
| دار الأرقم
الوضع فى مكة جد خطير، فالدعوة الوليدة تنساب إلى كل بيت، تهز كيان مكة الدينى، وتزعزع أركان قريش فى أرض العرب، وأعين المشركين وآذانهم تعد على المسلمين أنفاسهم، وتحصى خطواتهم، وتتسمع أخبارهم، لتجهز عليهم، ولذا كان من الواجب على المسلمين أن يستتروا، وأن يتخفوا عند اللقاء، وبدار الأرقم بن أبى الأرقم كان اجتماعهم الدورى بنبيهم -صلى الله عليه وسلم- وكان وراء اختيار هذه الدار أسباب وجيهة. أما ما كان يحدث داخلها، بعيدًا عن أعين قريش، فكان حدثًا فريدًا فى التاريخ، صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أول من آمن به وصدقه ودافع عن دين الله، يجلسون إلى رسول العالمين بنفسه، يتلقون منه آخر ما نزل به جبريل الأمين من ربه -عز وجل-، تلقيا دائمًا مستمرًّا، تزكو به نفوسهم، وتتطهر قلوبهم، وتصاغ عقولهم وأرواحهم صياغة جديدة، رحم الله الأرقم ورضى عنه، لقد جعل داره مرفأ لسفينة الإيمان، ومهدًا لدعوة الله عز وجل، ومدرسة تلقى فيها الأولون دينهم.
أسباب اختيار دار الأرقم
كان وراء اختيار دار الأرقم بن أبى الأرقم أسباب عديدة تهدف جميعها إلى حجب المسلمين عن أعين أعدائهم. أما أول هذه الأسباب، فهو جهل قريش بإسلام الأرقم. وأما ثانيها: فكون الأرقم من بنى مخزوم، حاملى لواء الحرب والتنافس مع بنى هاشم، فلا يسبق إلى ذهن قريش أن محمدًا يلقى صحبه فى بيت عدوه بمقاييسهم الجاهلية. وأما ثالثها: فهو أن الأرقم كان فتىً عند إسلامه، فى حدود السادسة عشرة من عمره، فلا يعقل أن يجتمع المسلمون فى بيته، دون بيوت الكبار منهم. ولقد كان احتياط النبى -صلى الله عليه وسلم- وصحبه فى اختيار هذه الدار سببًا لاستتار أمرهم، وعدم انكشاف حركتهم يومئذ.
الهجرة إلى الحبشة
الدفاع عن النفس، وقتال من بغى واعتدى، لم ينزل أمر الله به بعد، والبقاء فى مكة أصبح مستحيلاً، مع هذا الاضطهاد والتعذيب، فماذا يفعل المسلمون إذن؟ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرحيم بأمته، قد ارتأى لهم أن يفروا بدينهم إلى ديار آمنة، فأشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة، فهاجر منهم فى رجب سنة خمس من النبوة اثنا عشر رجلاً، وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجه السيدة رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد هاجر هؤلاء الصحابة تسللاً وخفية، فى سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة، حيث النجاشى الملك العادل، الذى لا يظلم عنده أحد. وما كاد المسلمون المهاجرون يستقرون بالحبشة حتى سارت إليهم شائعة بإسلام قريش، فقفلوا راجعين إلى مكة فى شوال من نفس العام، وما تبينوا الحقيقة إلا بعد ساعة من نهار فى مكة. واشتد تعذيب المشركين لهم، فكانت هجرتهم الثانية رغم يقظة المشركين، وشدة حذرهم. وبلغ عددهم فى هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة، لكن أنى لنار قريش أن يهدأ أوارها، لقد عز عليها أن تعلم أن المسلمين قد وجدوا مأمنًا يعبدون فيه ربهم، فكانت مكيدتها بإرسال رسولين إلى الحبشة لاستردادهم من النجاشى، وقد خاب سعيهم، وبطل مكرهم، ورد النجاشى رسولى مكة دون أن يقضى لهما حاجة، بل أعلن إيمانه بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، أما هؤلاء المهاجرون، فقد مكثوا بالحبشة، حتى مكن الله لنبيه بالمدينة، فعادوا إليها، وكان آخرهم عودة جعفر بن أبى طالب بعد فتح خيبر.
إشاعة إسلام قريش
بينا سادة وكبراء مكة جالسين حول الحرم فى جمع كبير، فى رمضان من العام الخامس للنبوة، إذ فوجئوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطلع عليهم، جاهرًا بتلاوة سورة النجم، وأخذ كلام الله المبين بتلابيب عقولهم، فما استطاعوا منه فكاكًا، ووصل النبى إلى قوله تعالى: (فاسجدوا لله واعبدوا) فسجد، وما تمالك المشركون أنفسهم حتى سجدوا معه جميعًا، وقد صدعت الآيات عناد نفوسهم واستكبارها، وهنا ارتبك المشركون مما حدث لهم ولم يدروا ما هم صانعوه، وتخوفوا العتاب واللوم ممن كانوا يتبعونهم أو يعارضونهم، فاحتالوا لذلك حيلة دنيئة، ومكروا مكرهم السيِّئ، وافتروا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكذب والبهتان، فزعموا أنه قال: تلك الغرانقة العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، بعد أن تلا: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) يريدون أن يزعموا أنهم ما سجدوا لإله محمد، إنما محمد هو الذى ذكر آلهتهم بخير، وكان من توابع هذه الحادثة العجيبة أنها وصلت إلى مهاجرى الحبشة، لكن فى صورة جديدة، فقد وصل إليهم أن قريشًا قد أسلمت، وسجدت لله رب العالمين، فاستبد بالقوم الفرح، وعزموا على الإياب لمكة، فدخلوها فى شوال من العام نفسه، فسامتهم قريش التعذيب والتنكيل، واحتاطوا ألا يهربوا منهم ثانية، إلا أن تدبير الله أعظم، فقد عاد المهاجرون إلى الحبشة فى هجرة جديدة رغم حيطة قريش وحذرها.
مكيدة قريش
هجرة المسلمين للحبشة للمرة الثانية وبعدد يبلغ خمسة أضعاف العدد الذى هاجر أول مرة، كانت صفعة آلمت صدغ قريش وصكت أسنانها!! وبحركة لا ينهزها إلا الحقد، ولايحدوها إلا ألم الهزيمة، بعثت قريش اثنين من خيرة رجالاتها إلى الحبشة، ليسألا النجاشى أن يرد مهاجري المسلمين إلى مكة ثانية، وبقدر ما كان هذا الطلب شرسًا، بقدر ما كان غريبًا مضحكًا!! أناس كانوا يعبدون ربهم ببلدهم فأبى قومهم أن يعبدوه، فهاجروا إلى أرض بعيدة، يعبدون فيها إلههم، ولا يؤذون بها جارًا أو يعتدون على مواطن، ما المنطق فى أن يستردهم كارهوهم؟ وما الحكمة فى أن يردهم مضيفوهم؟!. تكلم رسولا قريش عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبى ربيعة إلى النجاشى فى رد المسلمين، وصدهما بطارقته، فأبى الرجل العادل أن يفصل فى قضية دون سماع جميع أطرافها، وتحدث جعفر بن أبى طالب عن المسلمين، فوصف ما كان عليه قومه من الجاهلية، وأبان ما أمرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم- أن يفعلوه من الخير وما أمرهم أن يتركوه من الشر، ووضح كيف اضطهدتهم قريش وسامتهم العذاب، حتى لجئوا إلى أرضه واحتموا ببلاده، وقرأ عليه من سورة مريم، حتى بكى النجاشى ودمعت أعين أساقفته، وهنا أطلق النجاشى حكمه، وفصل فى قضيته قائلاً: إن هذا والذى جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون. فخرج عمرو وصاحبه بخفى حنين لكن عمرو بن العاص داهية العرب لم يستسلم، فكرَّ على النجاشى صبيحة اليوم التالى ليوقع بينه وبين المسلمين قائلاً: أيها الملك إنهم يقولون فى عيسى بن مريم قولاًعظيمًا؛ فاستدعى النجاشى جعفرًا ليسأله فأجابه: نقول فيه الذى جاءنا به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول؛ فصدقه النجاشى على ذلك وأخذ عودًا من الأرض، ثم قال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود. وأمّن المسلمين على أنفسهم، وردّ على رسولى قريش هداياها، وأعادهما خائبين لمكة.
آخر وفد قريش إلى أبى طالب
أحداث جسيمة مرت بأبى طالب فأثرت فيه، وقد جاوزت سنه الثمانين، وكان آخر هذه الأحداث المقاطعة القاسية، والتى هتفت بالمرض، فألح على الشيخ الكبير يلاحقه، ورأت قريش أن أبا طالب سائر إلى منيته على عجل وخشيت أن تفتك بمحمد -صلى الله عليه وسلم- بعد موته، فتعيرها العرب بجبن صنيعها، إذ تركته حين أحاطه عمه، ثم انتهشته حين ولى عنه، فأجمعت رأيها أن تذهب إليه فتعيد مساومته، حتى تصل مع محمد إلى حل وسط. وبجوار فراش أبى طالب حكمت قريش سيدها الذى حاصرته حتى قريب وأنهكت عافيته- حكمته بينها وبين محمد، فاستدعى أبو طالب ابن أخيه، ليرى رأيه فى قول قريش، فسمع منهم النبى، ثم أجابهم قائلاً: أرأيتم إن أعطيتكم كلمة تكلمتم بها، ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم؟. فتعجبوا من قوله وتحيروا، حتى أجابه أبو جهل قائلاً: ما هى؟، وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها!، فقال لهم النبى: تقولون لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه؛ فصفق القوم بأيديهم، ثم قال: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟، إن أمرك لعجب!. ومضوا إلى ديارهم، وقد علموا -من جديد- أنه لا سبيل إلى المساومة مع هذا النبى الثابت على مبادئه.
عام الحزن
تعاقب المسرات والأحزان، وتتابع اليسر والعسر، سنة من سنن الحياة، والعام العاشر للنبوة وقد شهد فجره سعادة المسلمين ونبيهم -صلى الله عليه وسلم- بخروجهم من الشعب، ونقض صحيفة البغى التى خطتها قريش، ولم يلبث -هذا العام- أن دارت أيامه وتوالت، فأظهرت من الحوادث ما آلم النبى -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين جميعًا. أما أول هذه الحوادث فكان وفاة أبى طالب عم النبى -صلى الله عليه وسلم- ودرعه الذى يتقى به كيد قريش، وأما ثانيها: فكان وفاة السيدة خديجة -رضى الله عنها-، زوج رسول الله، وشريكة كفاحه، وراعية بيت النبوة. وكما كانت هاتان الحادثتان مصيبة رزء بها محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد كانتا أيضًا باب شر على من آمن معه؛ تجرأت قريش على المسلمين، حتى التجأ أبو بكر إلى الهجرة من مكة، وما رده إلا ابن الدغنة، إذ أدخله فى جواره، ونالت قريش من النبى -صلى الله عليه وسلم- ما لم تنله فى حياة أبى طالب، وبلغ فجورها أن يعترضه سفيه من سفهائها، فينثر التراب على رأسه، ويقول الكريم لابنته -وهى تغسله عنه وتبكى-: لا تبكى يا بنية، فإن الله مانعٌ أباك. ولتتابع هذه الأحزان سمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا العام بعام الحزن، وقد شهد شهر شوال من هذا العام زواج النبى بالسيدة سودة بنت زمعة، رضى الله عنها وأرضاها، ولعل هذا الزواج كان نسمة باردة طيبة فى قيظ العام العاشر للبعثة.
وفاة أبى طالب
فى رجب من السنة العاشرة للنبوة، أفل نجم أبى طالب عم النبى، ذلك الرجل الذى كان حصنًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ودينه الجديد، أبو طالب الذى ربى محمدًا طفلاً فى بيته، وأحاطه وذاد عنه وقد أصبح نبيًا يهتدى به، أبو طالب الذى كانت تهابه قريش وتحترم جواره، ويقدره المسلمون لمنزلته ودوره الذى يؤديه لهم، وأبو طالب الذى سارعت إليه قريش على فراش موته ترجو أن يبقى على دين آبائه، وطمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طيلة حياته أن يهتدى لدين الله- كانت كلماته التى سمعتها آذان قريش تتردد فى مكة: اذهب يا بن أخى فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشىء أبدًا. وكانت كلماته التى نصح بها ابنه عليًا: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه، ثم كانت آخر كلماته وقريش والنبى يحوطانه على فراش موته، ويبادرانه، "على ملة عبد المطلب". وبموت هذا الرجل العظيم انقطع رجاء المسلمين فى إيمانه، وانقطعت أهم قنوات الصلة بين محمد -صلى الله عليه وسلم- وقومه، وانقطع السياج الذى كان يحوط به أبو طالب محمدًا ومن معه.
وفاة خديجة
فى رمضان من العام العاشر للنبوة، فقد النبى، لا بل فقد المسلمون جميعًا راعية بيت النبوة، وشريكة حياة النبى، أول من آمن بدين الله، وأول من نصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، التى ظلت طيلة حياتها مرفأّ آمنًا تئوب إليه سفينة النبى المجهدة المتعبة، كما كانت أمًا للمؤمنين جميعًا، السيدة خديجة رضى الله عنها وأرضاها، المبشرة ببيت فى الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
الزواج بسودة -رضى الله عنها-
إن بيت النبوة الذى خلا بوفاة خديجة -رضى الله عنها- فى رمضان، قد عادت عمارته على يدى سودة بنت زمعة فى شوال من العام العاشر للبعثة، ولا شك أن هذا الزواج كان عزاءً للقلبين الداميين قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- المكلوم بوفاة خديجة، وقلب سودة المجروح بوفاة السكران بن عمرو، زوجها السابق، ورفيق إسلامها وهجرتها إلى الحبشة.
مساومة قريش
المساومة وسيلة مباحة! لكن أن تكون على العقيدة، فهذا أمر لا سبيل إليه، وقريش وقد رأت شوكة المسلمين قد قويت، أخفت عداءها داخل صدرها، وجاءت تساوم على عقيدة النبى -صلى الله عليه وسلم- ومن معه، أما ما ساومت به، فكان جمع المال حتى يكون النبى أكثرهم مالاً، وكان الملك والسيادة حتى يكون أكثرهم جاهًا، وكان العلاج إن كان ما أصابه مسًّا من الجان! والحق أن قريشًا بمساومتها تلك قد أعلنت أمرين أولهما: فراغ جعبتها، وضعف عزيمتها بعد تقوية شوكة المسلمين، وثانيهما: أن المال والجاه عندها أنفس من العقيدة وأغلى ثمنـًا إذ ما تصورت حين عرضت بضاعتها، أنها ستئوب بها وقد ردها النبى -صلى الله عليه وسلم- أما محمد فقد وجد نفسه فى وادٍ والقوم فى وادٍ آخر، فأبى أن يساوم أو يساوم، وعاد إلى بيته حزينًا آسفًا . | |
|
أسيرة الحرمان
عدد الرسائل : 280 العمر : 41 الموقع : جده العمل/الترفيه : تطوير المنتدى الاوسمة : اعلام : مزاج : الوظيفة : تاريخ التسجيل : 03/05/2008
| موضوع: رد: سيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم- الجزء الحادي عشر السبت نوفمبر 22, 2008 12:27 am | |
| | |
|
Eros Admin
عدد الرسائل : 338 الموقع : https://eros.mam9.com الاوسمة : مزاج : الوظيفة : تاريخ التسجيل : 09/09/2007
| موضوع: رد: سيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم- الجزء الحادي عشر السبت نوفمبر 29, 2008 1:54 pm | |
| | |
|